الاستعارة هي أسلوب بلاغي يقوم على استخدام المعنى الحرفي للكلام للتعبير عن معنى آخر ضمني، يتطلب فك رموزه لفهمه، ويعرف أيضًا بالتلميح أو الإشارة. في الاستعارة، يغلب المعنى الضمني أو يحل محل المعنى الأصلي تمامًا. على سبيل المثال، كلمة “حمار” لا تعني الحيوان نفسه، بل تعبر عن معنى آخر هو “الغباء” و “الصبر”. قد تكون الاستعارة مجرد تعبيرات فردية، أو قد تكون عملًا أدبيًا كاملاً. غالبًا ما تشير الصورة الحسية في الاستعارة إلى فكرة أو مفهوم مجرد. يمكن فهم هذا المعنى المجرد بطرق مختلفة، مثل قول “كثرة الطباخين تفسد الطبخة”، يمكن فهمه على أنه كثرة المتدخلين في أمر واحد يفسده، أو كإنتقاد لغياب المسؤولية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون المعنى المجرد والضمني للاستعارة هو ما يقصده المؤلف، أو قد يكون من تفسير القارئ للنص الذي لم يكن يحمل هذا المعنى في الأصل.
في أوروبا، ومنذ العصور القديمة، كان للاستعارة وظيفتان: الأولى أداة لبناء الكلام، والثانية أداة لفهم الكلام وتفسيره. في وظيفتها الأولى، تندرج الاستعارة ضمن نطاق البلاغة، وفيما بعد ضمن نطاق دراسة الشعر والأدب. أما في وظيفتها الثانية، فتندرج ضمن نطاق الفلسفة، وفيما بعد ضمن نطاق التأويل والتفسير. استمرت هذه الازدواجية الوظيفية للاستعارة طوال تاريخها. ومع ذلك، فقد تغير فهم وتقييم الاستعارة كأداة فنية عبر العصور المختلفة.
فسرت البلاغة القديمة الاستعارة على أنها قول فيه الكلام يسير في اتجاه، والمعنى في اتجاه آخر، حيث يتناقض المعنى مع الكلام: “يستخدم الكلام ليقول هذا، لكنه يستخدم المعنى ليقول شيئًا آخر” (كوينتيليان). فيما بعد، اعتبرت الاستعارة “صورة للفكر”، على غرار التشبيه. الفرق بين الاستعارة والتشبيه هو في الكم وليس في الكيف. تظهر الاستعارة في سلسلة متصلة من التشبيهات، “التشبيه المتواصل يخلق استعارة” (كوينتيليان)، مثل: “يا قلبُ ما لكَ لا ترقُ *** إلا لأصحابِ القلوبِ الرُّقاقِ”. أكد علماء البلاغة أيضًا على غموض الاستعارة. شبه ديميتريوس الاستعارة بـ “الظلام والليل”. رأى كوينتيليان أن استخدام الاستعارة “الغموضة” في الخطابة عيبًا، لكنها ميزة في اللغة الشعرية، “يمكن استخدامها بحرية”. أكد شيشرون على ضرورة إضافة “الغموض” إلى الكلام، لأنها “وسيلة زخرفة مهمة للشعر”. بناءً على مبدأ بناء الكلام في الاستعارة، أعاد أفلاطون والأفلاطونيون الجدد، والرواقيون، واليهود اليونانيون النظر في الأساطير القديمة، وأعادوا تفسير العهدين القديم والجديد، ووجدوا فيها معاني كونية وأخلاقية جديدة تتوافق مع روح فلسفة عصرهم. استخدم دانتي مصطلح الاستعارة عند تحليل الأعمال الدنيوية. أصبحت نظرية “معنى الأشياء”، والتي بموجبها لا تقتصر القدرة على التعبير عن المعنى على الكلام فقط، بل تشمل الأشياء أيضًا، أساسًا سيميائيًا لتطوير نظرية الاستعارة في العصور الوسطى. كانت كل الأشياء التي تشكل العالم لغة الله، وكان العالم كتابه المقدس، لذلك بالنسبة لمفكري العصور الوسطى، لم تكن العلاقة بين الشيء الدال والمعنى المشار إليه علاقة عشوائية أو مصطنعة، بل كانت الاستعارة نظامًا من المعاني حدده الله. استمر عصر النهضة والباروك في تبني وجهة نظر العصور الوسطى بشكل أساسي، حيث اعتبرا الاستعارة مزيجًا من مفهوم مجرد مع صورة ملموسة.
في القرن الثامن عشر، تغير تفسير مفهوم الاستعارة بشكل جذري، حيث تم وضع هذا المفهوم في مقابل الرمز. قسم فينكلمان الاستعارة إلى نوع “أعلى” ونوع “أدنى”؛ النوع “الأدنى” هو “الصورة التي يعرفها الجميع”، أما النوع “الأعلى” فيمنح “العمل الفني عظمة ملحمية حقيقية”. كان تحديد نوع الاستعارة “الأعلى” بمثابة نذير لظهور فهم الرمز كأسلوب بلاغي مناقض لها. استخدم غوته مفهومي “المحدود” و “اللامحدود” لمقابلة الاستعارة بالرمز: تنتمي الاستعارة إلى المحدود، والرمز إلى اللامحدود، فالشعر الذي يستخدم الاستعارة يضع الفن في نطاق المحدود. استمرت جماليات الشعر في القرن التاسع عشر بشكل عام في تبني فكرة تقديس الرمز التي تبنتها الفلسفة والجماليات الرومانسية، حيث اعتبرت الاستعارة شكلاً أقل قيمة من الوصف الفني. لم يتم وضع مفهوم الاستعارة وفن الاستعارة في مكانهما الصحيح إلا في القرن العشرين، مع ظهور سلسلة من الدراسات، مثل “أصل المأساة الألمانية” (1928) لوالتر بنيامين، و “الحقيقة والمنهج” (1960) لـ G. غادامر، و “تشريح النقد” (1957) لـ N. فراي.